إضاءات تربوية حول كيفية إدارة أزمة العزل المنزلي

أ. سحر جميل

مسؤول الإرشاد التربوي مدارس الأقصى باشاك شهير

بسم الله الرحمن الرحيم

أحبتي .. أُحييكم من جديد …  

وأقدم بين أياديكم نصائح تربوية حول كيفية إدارة أزمة العزل المنزلي، بعنوان: “اقتل فراغك، واستثمر طاقتك، لتصنع من وقتك قيمة”. 

أقول وبالله التوفيق: 

أولًا: وبعد الهرع إلى الله وحسن الظن به تعالى والتوكل عليه، وتوجيه أبنائك لذلك.. عليك أن تصنع من هذه المِحنة الآنية منحة فاعلة مبشّرة بحيث تصنع من رحم المعاناة إنجازات خارقة تخلد عملك وذكراك في ذاكرة أبنائك وأهلك وأصدقائك وزملاء عملك بما يُرضي الله عنك.

ولكن كيف   

تابعوا معي أعزائي.. واقرؤوا كلماتي بتمعنٍ حتى النهاية :

1- تمتع بنعمة الأبناء والأطفال واشكر الله على ذلك واستمتع بأوقاتك معهم وشاركهم لعبهم بلا حدود، حتى وإن لم يفعلوا شيئا غير اللعب وأنت معهم _بجانب حصصهم الدراسية _ في هذه الفترة العصيبة فذاك لوحده إنجاز، وهذا كفيل بأن يعرفك على جوانب كثيرة من شخصياتهم التي حُرمت معرفتها بسبب انشغالك الدائم عنهم أو جهلك في كيفية التعرف على معالم شخصياتهم وهواياتهم ومهاراتهم وقدراتهم .. وذلك ديدن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما كان يلعب مع أحفاده الحسن والحسين، ويتسابق مع زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

ذلك بجانب قدرتك على اكتشاف أخطائهم وسلوكياتهم أثناء لعبك معهم مما يتيح لك فرصة التوجيه وغرس القيم وترسيخ القناعات عن طريق اللعب وأثنائه بطرق غير مباشرة وبأساليب عفوية بسيطة  ولطيفة. يقول أفلاطون: (ساعة لعب تعرٌِفك على جوانب كثيرة في شخصية مَن تشاركهم اللعبة).

ولتهيئة أجواء وأماكن للّعب وغيره من أنشطة جماعية عائلية .. يمكنك أن تغير قليلا في معالم البيت ( الصالون وغرف الأولاد مثلا )  ليصبح ناديًا للعب والترفيه والثقافة والعلوم والمسابقات والرياضة والراحة والعبادة وماشاكل ذلك… فاجعل ركنًا خاصًا للصلاة مع أفراد العائلة جماعة مع تدارس القرآن والسنن النبوية والأذكار، والتسبيح والدعاء. وركنًا آخَر للابتكارات والإبداعات والفنون وكافة الأنشطة، ومنتدًى للشعر والخطابة، والساحة الأكبر للألعاب الجماعية الحركية والفكرية والذهنية وما إلى ذلك..  

2- حافظ على هدوئك واتزانك وصبرك في هذه الأزمة أمام أبنائك ولا تتذمر أبدا من قدر الله، وتيقن أن هذه الأزمة هي لحكمة من عند الله عز وجل لا نعلمها، ظاهرها مؤلم وباطنها خير بإذنه تعالى، وقد تكون ابتلاءً للبعض، ورحمة لآخرين، وتمحيصًا لغيرهم، وعقوبة لفاسدين، ورفع درجات لكثيرين…إلخ. كلٌ حسب عمله ومكانته عند الله عزّ وجل. فتقبل الأمر بكل رضا واحمد الله على ماقضى واصمد وتقرب إلى الله بالدعاء وكن قدوة في قرارة نفسك وأمام أبنائك في صبرك ورضاك وتحديك في هذه الأزمة المارقة بإذن الله تعالى.

3- اقرأ كثيرًا لاستلهام أفكار جديدة واكتشاف ما هو جديد في حياتك، وطوّر نفسك باستثمار وقتك وشبكة النت المتاحة بحضور الدورات المجانية أو المدفوعة في شتّى المجالات والتخصصات ومارِس ذلك مع أبنائك لتعم الفائدة وتصبح العناوين مواضيع شيقة تُطرح على مائدة الحوار مع الأهل والأبناء وكلٌّ يدلو بدلوه في جو من البهجة والسرور والتحدي.

4- تأمل كثيرًا وتفكَّر لتغذي الروح والعقل والجسد فالوقت يساعدك على ذلك، واجعلها عادة وعبادة.

5- راجع أهدافك ومحاورها وماهيتها سواء أهداف شخصية، أو عائلية، أو علمية، أو عملية، أو دينية، أو غير ذلك.. ثم كوّن انطباعًا جديدًا عن نفسك.

6- تمتع بالصحة النفسية ولا تستسلم للحزن والكآبة فتقل مناعتك مما يؤثر عليك سلبًا وعلى من حولك. فكن إيجابيًا وابتعد عن السلبية في البيت وخارجه، ووجّه أهل بيتك لذلك وانشر الأمل والتفاؤل كما أمرنا رسولنا وقدوتنا الحبيب المصطفى  محمد عليه الصلاة والسلام.

7- اقضِ أوقاتًا كافية في التفاهم والتحاور مع زوجتك/زوجك في الأمور التي ضاعت أو أُجلت مع زحمة الحياة ومشاغلها، فهذه فرصة عظيمة لوضع النقاط على الحروف في أجواء مَلكية هادئة وكافية، وكذلك فتح باب الحوار والنقاش بين الأزواج وأبنائهم لطَرق أبواب حياتهم  فيما يخص احتياجاتهم ومستقبلهم وتطلعاتهم وطرح ذلك كله على طاولة المفاوضات والحوار المثمر البنّاء مع اعتراف أي طرف من أعضاء الأسرة بأخطائه السابقة وسقطاته والبدء بخطة حياتية عائلية هادفة أكثر حبا وفاعلية وتفاهم وتواد.

8- صِل رحمك واسأل عمّن هجرتهم أونسيتهم بحجة الانشغال فقد تُدخل الفرح والسرور وترسم البسمة على شفاههم من جديد، وليبقَ ذلك ديدنك مدى الحياة مما يعود عليك بالنفع والبركة في الوقت والمال والصحة والولد.

9- رتّب محيطك وأولوياتك وحياتك ووقتك وطريقة تفكيرك من جديد، وسامح وتصالح مع نفسك ومَن حولك مِن الأهل والأرحام والأصدقاء والزملاء.

10- فكّر مليًّا في حق الأمة عليك ولا تبخل، ووجّه أبناءك لذلك، فادفع بنفسك ومالك وعلمك لخدمة دينك وأمتك الإسلامية وما يعتريها من قضايا، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”. وهذه فرصتك في هذه الفترة الراهنة لكسب الأجر بالدعاء والصدقة والمساندة وما إلى ذلك.

11- اهتم بإنجاز أعمالٍ كنت قد عطلتها سابقا لعدم توفر الوقت الكافي فقد حان وقتها.

ثانيًا: وهي الأخيرة في مقالنا هذا والتي هي من أهم النقاط ولتضع تحتها خطًا:

حاسِب نفسك وراجع تاريخ حياتك مُذ أصبحت مكلّفا دون جلدٍ لذاتك، حسابًا لطيفًا يجعلك تأخذ قرارًا حاسمًا عاجلًا في التغيير للأفضل بإذن الله تعالى. ومن صور المحاسبة الذاتية.. مثلا:

  •  هل أنا راضٍ عن نفسي وحياتي وعلمي وعملي❓
  •  هل أنا حريص على تنمية مهاراتي وقدراتي❓
  •  هل أنا قادر فعلًا على استثمار وقتي وطاقتي في تحقيق أهدافي❓
  •  هل أنا صاحب عزيمة قوية وإرادة❓
  •  هل درجة إيماني وعباداتي مقنعة أم أحتاج المزيد❓
  •  هل أنا مبادر❓
  •  هل نجحت في تربية أبنائي؟ أم أحتاج لمزيد من الجهد والصبر  والتفهم والدعاء❓
  •  هل أنا قدوة❓
  •  هل جدول أعمالي قائم فعلا على ترتيب الأولويات في حياتي؟ أم أعيش يومي وغدي بصورة عشوائية❓‼️
  •  هل أنا مقصر في صلة أرحامي❓
  •  هل أمتلك شخصية جاذبة ومؤثرة ومحفزة بالنسبة لأبنائي وزملائي❓
  •  هل ظلمتُ أحدا في حياتي، ومتى، وكيف❓
  •  هل حققت جزءًا من أهدافي في السنوات الخمس الماضية❓
  •  هل خدمتُ مجتمعي❓
  •  هل أفدتُ غيري بعلمي وذكائي❓
  •  هل يمكنني تصحيح أخطائي في حق أسرتي❓
  •  هل دخلي المادي مناسب، أم احتاج لدخل إضافي يكفيني وأسرتي ومتطلباتهم؟ وكيف❓
  •  هل أنا صادق ومخلص في عملي❓
  •  هل أتمتع بقلب طيب رحيم ودود، أم …❓

وغيرها الكثير الكثير من الأسئلة التي تتوارد إلى ذهنك لتقف عند محطات حياتك وتراجع حساباتك فتبدأ خطوات التغيير وتطوير ذاتك وتعديل حياتك بما ينفعك وينفع غيرك، فلديك الوقت الكافي فيما نحن فيه من عزلة.

وضع نصب عينيك أنك لو أردت أن تبنيَ عاليًا فعليك أن تحفر عميقًا..

فالبناء ذو الأساس المتين القوي يصمد أمام الأزمات والرياح العاتية.

أسأل الله تعالى أن ينفعَكم وينفع بكم، ويرفع عنا وعنكم البلاء والوباء وعن الأمة الإسلامية جمعاء.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *